كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


عدوا من خصائص هذه الأمة حرمة التصوير‏.‏

- ‏(‏حم ق ن عن عائشة‏)‏ قالت دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه هتكة وتلون وجهه ثم ذكره‏.‏

1053- ‏(‏أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه‏)‏ لأن عصيانه عن علم، ولذا كان المنافقون في الدرك الأسفل لكونهم جحدوا بعد العلم، وكان اليهود شراً من النصارى لكونهم أنكروا بعد المعرفة‏.‏ قال عبد الحق‏:‏ ومفهوم الحديث أن أعظمهم ثواباً عالم ينفعه علمه‏.‏ قال الغزالي‏:‏ فالعلم لا يهمل العالم بل يهلكه هلاك الأبد أو يحييه حياة الأبد، فمن لم ينفعه علمه لا ينجو منه رأساً برأس‏.‏ هيهات فخطره عظيم وطالبه طالب النعيم المؤبد أو العذاب السرمد لا ينفك عن الملك أو الهلك، فهو كطالب الملك في الدنيا فإن لم تتفق له الإصابة لم يطمع في السلامة، أهـ‏.‏ وزعم بعض الصوفية أنه إنما كان أشد الناس عذاباً لأن عذابه مضاعف فوق عذاب مفارقة الجسد بقطعه عن اللذات الحسية المألوفة وعدم وصوله إلى ما هو أكمل منها لعدم انفتاح عين بصيرته مع عذاب الحجيم عن مشاهدة الحق تعالى، فعذاب الحجاب إنما يحصل للعلماء الذين تنبهوا للذة لقاء الله في الجملة ولم يتوجهوا إلى تحصيل ذلك واتبعوا الشهوات الحسية المانعة لذلك، وأما غيرهم فلا يعذب هذا العذاب الحجابي الذي هو أعظم من عذاب الجحيم لعدم تصورهم له بالكلية وعدم ذوقهم له رأساً‏.‏

- ‏(‏طس عد هب عن أبي هريرة‏)‏ وضعفه المنذري، قال ابن حجر‏:‏ غريب الإسناد والمتن‏.‏ وجزم الزين العراقي بأن سنده ضعيف‏.‏ أهـ‏.‏ وسببه أن فيه عثمان بن مقسم‏.‏ قال الذهبي في الضعفاء كذبه غير واحد وأورد الحديث في الميزان في ترجمة عثمان وقال عن الجوزجاني كذاب وعن غيره متروك‏.‏ وعن ابن عدي عامّة حديثه لا يتابع عليه إسناداً ومتناً، لكن للحديث أصل أصيل، فقد روى الحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس مرفوعاً‏:‏ إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة من قتل نبياً أو قتله نبي والمصورون وعالم لا ينتفع بعلمه، فلو عزاه المؤلف إليه كان أحسن‏.‏

1054 - ‏(‏أشد الناس بلاء‏)‏ أي محنة‏.‏ ويطلق على المنحة، لكن المراد هنا بقرينة السياق المحنة، فإن أصله الاختبار، لكن لما كان اختبار الله تعالى لعباده تارة بالمحنة وتارة بالمنحة، أطلق عليهما ‏(‏الأنبياء‏)‏ المراد بهم ما يشمل الرسل وذلك لتتضاعف أجورهم وتتكامل فضائلهم ويظهر للناس صبرهم ورضاهم فيقتدى بهم ولئلا يفتتن الناس بدوام صحتهم فيعبدوهم ‏(‏ثم الأمثل فالأمثل‏)‏ أي الأشرف فالأشرف والأعلى فالأعلى، لأن البلاء في مقابلة النعمة، فمن كانت نعمة الله عليه أكثر فبلاؤه أشد، ولهذا ضوعف حدّ الحر على العبد فهم معرضون للمحن والمصائب وطروق المنغصات والمتاعب ‏{‏ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع‏}‏ وقال بعضهم، جعل مقام المبتلى يلي مقام النبوة ولم يفصل بين ‏[‏ص 519‏]‏ بلاء الأبدان وبلاء الأعراض‏.‏ فيشمل كل ما يتأذى به الإنسان‏.‏ قال الطيبي‏:‏ وثم للتراخي في الرتبة والفاء للتعاقب على سبيل التوالي تنزلاً من الأعلى إلى الأسفل‏.‏ وقوله ‏(‏يبتلى الرجل‏)‏ بيان للجملة الأولى والتعريف في الأمثل للجنس وفي الرجل للاستغراق في الأجناس المتوالية ‏(‏على حسب دينه‏)‏ أي بقدر قوة إيمانه وشدة إبقائه وضعف ذلك ‏(‏فإن كان في دينه صلباً‏)‏ أي قوياً ‏(‏اشتد بلاؤه‏)‏ أي عظم للغاية ‏(‏وإن كان في دينه رقة‏)‏ أي ضعف ولين ‏(‏ابتلي على قدر دينه‏)‏ أي ببلاء هين لين، والبلاء في مقابلة النعمة كما مر، ومن ثم قيل لأمهات المؤمنين ‏{‏يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً‏}‏ ‏(‏فما يبرح البلاء بالعبد‏)‏ أي الإنسان ‏(‏حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة‏)‏ كناية عن سلامته من الذنوب وخلاصه منها كأنه كان محبوساً فأطلق وخلي سبيله فهو يمشي وما عليه بأس، ومن ظن أن شدة البلاء هوان بالعبد فقد ذهب لبه وعمي قلبه فقد ابتلي من الأكابر ما لا يحصى‏.‏ ألا ترى إلى ذبح نبي الله يحيى بن زكريا وقتل الخلفاء الثلاثة والحسين وابن الزبير وابن جبير، وقد ضرب أبو حنيفة وحبس ومات بالسجن‏.‏ وجرد مالك وضرب بالسياط وجذبت يده حتى انخلعت من كتفه‏.‏ وضرب أحمد حتى أغمي عليه وقطع من لحمه وهو حي وأمر بصلب سفيان فاختفى ومات البويطي مسجوناً في قيوده ونفي البخاري من بلده إلى غير ذلك مما يطول‏.‏

- ‏(‏حم خ ت ه‏)‏ وكذا النسائي ‏(‏عن سعد‏)‏ بن أبي وقاص وعزوه إلى البخاري تبع فيه ابن حجر في ترتيب الفردوس، قيل ولم يوجد فيه‏.‏

1055- ‏(‏أشد الناس بلاء في الدنيا نبي أو صفي‏)‏ ولهذا قيل في حديث آخر‏:‏ إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم‏.‏ وسر ذلك قال الحراني إن من شأن الطين الذي منه البشر وما تولد منه أنه لا يخلص من الشوائب ويصفو عن الكدر إلا بعد معاناة شديدة‏.‏ ألا ترى أن الذهب أصفاه وهو لا يخلص عن غش مّا، ولا يعرى عن مخالطة الدنس بالكلية إلا بالإمتحان بشدة النيران‏؟‏ قال القرطبي‏:‏ أحب الله أن يبتلي أصفياءه تكملاً لفضائلهم ورفعة لدرجاتهم عنده وليس ذلك نقصاً في حقهم ولا عذاباً‏.‏ بل كمال رفعة مع رضاهم بجميل ما يجريه الله عليم، وقال الجيلاني‏:‏ إنما كان الحق يديم على أصفيائه البلايا والمحن ليكونوا دائماً بقلوبهم في حضرته لا يغفلوا عنه لأنه يحبهم ويحبونه فلا يختارون الرخاء لأنه فيه بعداً عن محبوبهم، وأما البلاء فقيد للنفوس يمنعها من الميل لغير المطلوب، فإذا دام ذابت الأهوية وانكسرت القلوب فوجدوا الله أقرب إليهم من حبل الوريد كما قال تعالى في بعض الكتب الإلهية‏:‏ أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي‏:‏ أي على الكشف منهم والشهود، وإلا فهو عند كل عبد انكسر قلبه أم لا‏.‏

- ‏(‏تخ عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي عن بعضهم، رمز المصنف لحسنه‏.‏

1056 - ‏(‏أشد الناس بلاء الأنبياء‏)‏ قالوا ثم من‏؟‏ قال ‏(‏ثم الصالحون‏)‏ أي القائمون بما عليهم من حقوق الحق والخلق، قالوا ثم من‏؟‏ قال ‏(‏ثم الأمثل فالأمثل‏)‏ قال الراغب‏:‏ الأمثل يعبر به عن الأشبه بالفضل والأقرب إلى الخير، وأماثل القوم كناية عن خيارهم‏.‏ وقال الأمثل أفعل من التماثل، والجمع أماثل، وهم الفضلاء قال ابن عطاء الله‏:‏ خرجت زوجة القرشي من عنده وهو وحده فسمعت رجلاً يكلمه ثم انقطع كلامه، فدخلت عليه‏.‏ فقالت ما عندك أحد والآن سمعت كلاماً عندك‏.‏ قال‏:‏ الخضر أتاني بزيتونة من أرض نجد فقال كل هذه ففيها شفاؤك‏.‏ قلت اذهب ‏[‏ص 520‏]‏ أنت وزيتونتك لا حاجة لي فيها، وكان به داء الجذام‏.‏

قال ابن عربي‏:‏ هنا مسألة يجب بيانها‏:‏ إن الله أحب أنبياءه وأولياءه، والمحب لا يؤلم محبوبه‏.‏ ولا أحد أشد ألماً ولا بلاء منهم، فمن أين استحقوا هذا مع كونهم محبوبين‏؟‏ قلنا إن الله قال ‏{‏يحبهم ويحبونه‏}‏ والبلاء لا يكون أبداً إلا مع الدعوى، فمن ادّعى فعليه الدليل على صدق دعواه، فولا الدعوى ما وقع البلاء ولما أحب الله من عباده من أحب رزقهم محبته من حيث لا يعلمون فوجدوا في نفوسهم حبه فادعوه فابتلاهم من حيث كونهم محبوبين، فإنعامه دليل على صدق محبته فيهم وابتلاهم لما ادعوه من صدق حبهم إياه‏.‏ فافهم‏.‏ قال الطيبي‏:‏ وثم فيه للتراخي والفاء للتعاقب على التوالي كما سبق، وإنما ألحق الصالحون بالأنبياء لقربهم وإن كانت درجتهم منحطة عنهم، وسره أن البلاء في مقابل النعمة، فمن كانت نعمة الله عليهم أكثر كان بلاؤهم عليه أشد، ومن ثم ضوعف حد الحر على العبد، وفيه دليل على أن القوي يحمل ما حمل والضعيف يرفق به لكن كلما قويت المعرفة بالمبتلى هان البلاء، ومنهم من ينظر إلى أهل البلاء فيهون عليه، وأعلى منه من يرى أن هذا تصرف المالك في ملكه فيسلم ولا يعترض، وأرفع منه من يشغله المحبة عن طلب رفع البلاء وأنهى المراتب من يلتذ به

- ‏(‏طب عن أخت حذيفة‏)‏ بن اليماني فاطمة أو خولة، رمز المصنف لحسنه‏.‏

1057 - ‏(‏أشد الناس بلاء الأنبياء‏)‏ قالوا ثم من يا رسول الله‏؟‏ قال ‏(‏ثم الصالحون‏)‏ لأن أعظم البلاء سلب المحبوب وحمل المكروه والمحبوبات مسكون إليها، ومن أحب شيئاً شغل به، والمكروه مهروب منه ومن هرب من شيء أدبر عنه، والأمثلون أحباء الله فيسلبهم محبوبهم في العاجل ليرفع درجتهم في الأجل ‏(‏لقد‏)‏ بلام التأكيد ‏(‏كان أحدهم يبتلى بالفقر‏)‏ الدنيوي الذي هو قلة المال وعدم المرافق ‏(‏حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها‏)‏ بجيم وواو فموحدة‏:‏ أي يخرقها ويقطعها، وكل شيء قطع وسطه فهو مجبوب ‏(‏فيلبسها‏)‏ ومع ذلك يرى أن ذا من أعظم النعم عليه علماً منه بأن المال ظل زائل وعارية مسترجعة وليس في كثرته فضيلة، ولو كان فيه فضيلة لخص الله به من اصطفاه لرسالته واجتباه لوحيه، وقد كان أكثر الأنبياء مع ما خصهم به من كرامته وفضلهم على سائر خلقه فقراء لا يجدون بلغة ولا يقدرون على شيء حتى صاروا في الفقر مثلاً‏.‏ قال البحتري‏:‏

فقر كفقر الأنبياء وغربة * وصبابة ليس البلاء بواحد

‏(‏ويبتلى بالقمل‏)‏ فيأكل من بدنه ‏(‏حتى يقتله‏)‏ حقيقة أو مبالغة عن شدة الضنا ومزيد النحول والأذى ‏(‏ولأحدهم كان أشد فرحاً بالبلاء من أحدكم بالعطاء‏)‏ لأن المعرفة كلما قويت بالمبتلى هان عليه البلاء وكلما نظر إلى الأجر الناشىء عنه سهل، فلا يسألون رفعة بل يحصل الترقي لبعضهم حتى يتلذذ بالضراء فوق تلذذ أحدنا بالسراء ويعد عدمه مصيبة‏.‏ وفي تاريخ ابن عساكر‏:‏ سبب قطع العارف أبي الخير المغربي الأقطع أنه عاهد الله أن لا يتناول لشهوة نفسه شيئاً يشتهى، فرأى يوماً كمام شجرة زعرور فأعجبته فقطع غصناً فذكر عهده فترك فرآه صاحب الشرطة فظنه لصاً فقطعه فكان يقول قطعت عضواً فقطعت مني عضواً‏.‏

- ‏(‏ه ع ك عن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو محموم فوضعت يدي من فوق القطيفة فوجدت حرارة الحمى فقلت ما أشد حماك يا رسول الله فذكره، قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي‏.‏

1058 - ‏(‏أشد الناس حسرة‏)‏ أي تلهفاً ‏(‏يوم القيامة‏:‏ رجل أمكنه طلب العلم‏)‏ الشرعي ‏(‏فلم يطلبه‏)‏ لما يراه من عظم إفضال الله على العلماء العاملين ومزيد رفعه لدرجاتهم، ولأن المصالح قسمان‏:‏ روحانية وجسمانية، وأشرف المصالح ‏[‏ص 521‏]‏ الروحانية العلم الذي هو غذاء للروح كالغذاء للبدن، وأشرف المصالح الجسمانية تعديل المزاج وتسوية البنية، فإذا انكشف له الغطاء بالخروج من هذا العالم اشتدت ندامته وتضاعفت حسرته حيث آثر تعديل الفاني وأهمل معاناة النافع الباقي، قال الماوردي‏:‏ ربما امتنع من طلب العلم لتعذر المادة وشغله بالاكتساب ولا يكون ذلك إلا لذي شره رغيب وشهوة مستعبدة‏.‏ فينبغي أن يصرف للعلم حظاً من زمانه، فليس كل الزمن زمن اكتساب، ولا بد للمكتسب من أوقات راحة وأيام عطلة، ومن صرف كل نفس منه إلى الكسب حتى لم يترك له فراغاً لغيره فهو من عبيد الدنيا وأسراء الحرص وربما منعه من العلم ما يظنه من صعوبته وبعد غايته ومخافة من قلة ذهنه وبعد فطنته‏.‏ وهذا الظن اعتذار ذوي النقص وخشية أولي العجز‏.‏ لأن الإخبار قبل الاختبار جهل‏.‏ والخشية قبل الابتلاء عجز ‏(‏ورجل علم علماً فانتفع به من سمعه منه دونه‏)‏ لكون من سمعه عمل به ففاز بسببه وهلك هو بعدم العمل به‏.‏ والحديث ناع على من أمكنه التعلم فتركه تقصيراً وإهمالاً، ومن علم ولم يعمل أو وعظ ولم يتعظ فمن سوء صنيعه وخبث نفسه وإن فعل فعل الجاهل بالشرع والأحمق الخالي عن العقل‏.‏

خرج بكونه أمكنه طلب العلم‏:‏ ما إذا لم يمكنه لنحو بلادة خلقية فإنه معذور، ولهذا قال حكيم‏:‏ صقلك سيفاً ليس له جوهر من سنخه خطأ، وحملك الصعب المشق على الرياضة غباوة‏.‏ قال أبو تمام‏:‏

السيف ما لم يكن منه مصاقلة * من سنخه لم ينتفع بصقالي

- ‏(‏ابن عساكر عن أنس‏)‏ بن مالك وقال إنه منكر‏.‏

1059-‏(‏أشد الناس عليكم الروم وإنما هلكتهم‏)‏ بالتحريك ‏(‏مع الساعة‏)‏ أي مع قيامها، ولذلك حذر منهم وأمر بمتاركتهم في الحديث الماضي بقوله اتركوا الترك ما تركوكم، ثم هذا إخبار عن غيب وقع ولما يرى من إذلال الروم للعرب واستيلائهم على الربع المعمور، وهذا علم من أعلام نبوته، وهو غلبة الروم على أقطار الأرض شرقاً وغرباً ما بين مسلم وكافر، والخطاب للعرب خاصة أو لجميع أمة الاجابة والأول أقرب‏.‏

- ‏(‏حم عن المستورد‏)‏ ابن شداد بن عمرو القرشي الصحابي ترك الكوفة ثم مصر‏.‏ رمز المصنف لحسنه‏.‏

1060- ‏(‏أشد أمتي لي حباً‏)‏ تمييز لنسبة أشد ‏(‏قوم يكونون بعدي يود أحدهم‏)‏ بيان لشدة حبهم له على طريق الاستئناف ‏(‏أنه فقد أهله وماله وأنه رآني‏)‏ حكاية لودادهم مع إفادة معنى التمني، وهذا من معجزاته لأنه إخبار عن غيب‏.‏ وقد وقع، والكلام فيمن لم يتأهل لرتبة الاجتماع به صلى الله عليه وسلم، وقد وقع لكثير من عظماء الصوفية أنه ارتقى إلى دوام مشاهدته، قال العارف المرسي‏:‏ والله لو حجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين وقال له رجل ياسيدي صافحني فقد لقيت عباداً وبلاداً فلما خرج قال ما الذي أراد بعباداً وبلاداً قالوا يريد أنك صافحت عباداً وسلكت بلاداً اكتسبت بركاتها وإذا صافحته حصل له منك بركة، فضحك الشيخ وقال والله ما صافحت بهذه اليد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

- ‏(‏حم‏)‏ من حديث رجل من بني أسد ‏(‏عن أبي ذر‏)‏ قال الهيتمي ولم يسم التابعي وبقية رجال إحدى الطريقين رجال الصحيح اهـ‏.‏ وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه‏.‏

1061- ‏(‏أشد الحرب النساء‏)‏ أي أشد الجهاد مكابدة عشرة النساء اللاتي لا يستغنى عنهن لأنهن ضعيفات الأبدان بذيئات اللسان عظيمات الكيد والفتن، فإذا خادعهن الرجل والحرب خدعة وصبر على حيلهن وخفي مكرهن كان أشد من ‏[‏ص 522‏]‏ ملاقاة الأبطال ومقاساة قتال الرجال ‏{‏إن كيدكن عظيم‏}‏ وهذا التقرير بناء على أن الرواية حرب براء مهملة وباء موحدة وهو ما وقع لكثير وهو الذي في مسودة المصنف بخطه والذي رأيته في عدة نسخ من تاريخ الخطيب وجرى عليه ابن الجوزي وغيره بزاي معجمة ونون، قال ابن الجوزي يعني أشد الحزن حزن النساء‏.‏ اهـ‏.‏ وأنت إذا تأملت السياق ونظم الكلام وتناسبه ترى أن هذا أقعد وهذا كله بناء على أن النساء بكسر النون، وأن المراد إناث بني آدم ولكن رأيت في أصل صحيح مقروء على عدة من المحدثين ومن تاريخ بغداد أنه بفتح النون وعليه فيكون المراد أشد الحزن الحزن المتأخر وهو ما بعد الموت ‏(‏وأبعد اللقاء‏)‏ بكسر اللام ‏(‏الموت‏)‏ لأن طول الأمل وغلبته على الجبلة الإنسانية يبعد عن لقاء الموت ويمنيه طول الحياة بل ينسيه ذكر الموت رأساً في كثير من الأحيان ‏(‏وأشد منهما الحاجة إلى الناس‏)‏ لما في السؤال من الهوان إلى الذل وأعظم منه رده بلا إجابة فهو البلاء العظيم الذي لا يصبر عليه إلا البهيم‏.‏

- ‏(‏خط‏)‏ في ترجمة مكي الزنجاني ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك وفيه عبد الله بن ضرار‏.‏ قال الذهبي وغيره قال يحيى ليس بشيء لا هو ولا أبوه ولا يكتب حديثهما، ويزيد الرقاشي متروك، ومن ثم قال ابن الجوزي وغيره حديث لا يصح‏.‏

1062 - ‏(‏أشدكم من غلب نفسه‏)‏ أي ملكها أو قهرها، وفي نسخة على نفسه ولا وجود للفظة على في خط المؤلف ‏(‏عند الغضب‏)‏ بأن لم يمكنها من العمل بغضبه بل يجاهدها على ترك تنفيذه وذلك صعب في أوله فإذا تمرنت النفس عليه وتعودته سهل ‏(‏وأحملكم من عفى بعد القدرة‏)‏ أي أثبتكم عقلاً وأرحجكم أناة ونبلاً من عفى عمن جنى عليه بعد ظفره به وتمكنه من معاقبته، ومن الأدوية النافعة في ذلك تأمل ما ورد في كظم الغيظ والحلم من الآيات القرآنية والأخبار النبوية، ومن ثم لما غضب عمر على من قال له ما تقضي بالحق فاحمر وجهه قيل له يا أمير المؤمنين ألم تسمع الله يقول ‏{‏خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين‏}‏ وهذا من الجاهلين‏؟‏ فقال صدقت، فكأنما كان ناراً فأطفئت‏.‏

- ‏(‏ابن أبي الدنيا‏)‏ أبو بكر القرشي ‏(‏في ذم الغضب‏)‏ وكذا الديلمي والشيرازي في الألقاب ‏(‏عن علي‏)‏ أمير المؤمنين، قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يرفعون حجراً فقال ما هذا‏؟‏ قالوا حجر الأشداء، فقال ذلك، قال الحافظ العراقي في المغني سنده ضعيف وللبيهقي في الشعب الشطر الأول مرسلاً بسند جيد‏.‏

1063 - ‏(‏أشراف أمتي حملة القرآن‏)‏ أي حفاظه الحاملون له في صدورهم العاملون بمقتضاه وإلا كان في زمرة من قال تعالى في حقه ‏{‏كمثل الحمار يحمل أسفاراً‏}‏، ‏(‏وأصحاب الليل‏)‏ أي اللذين يحيونه بنوع أو أنواع من العبادة كالصلاة والذكر والقرآن والاستغفار والتضرع والابتهال والدعاء لأن هذا مناجاة لله تقدس وتعالى، ولا شرف كهذا الشرف‏.‏ قال الطيبي‏:‏ إضافة الأصحاب إلى الليل لكثرة مباشرة القيام والصلاة فيه كما يقال ابن السبيل لمن يواظب على السلوك فيه‏.‏